للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ليستكثر من شرب الماء البارد. يريد: أنه لا توبة له، وهو مذهب ابن عباس وأبي هريرة وزيد بن ثابت.

روي أن سائلاً سأل ابن عمر وابن عباس وأبا هريِرة عمن قتل مؤمناً متعمد، أَهل له من توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نَفَقاً في الأرض أو سُلًماً فِي السمَاءِ؟

وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأنه روي عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب، ويؤيد هذا المذهب ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كُلُّ ذَنْبِ عَسَى اللَّه أَنْ يَعْفُوَ عَنْه إلَّا مَنْ مَاتَ كَافِراً أَوْ قَتَلَ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً» وذلكَ والله أعلم لأن القتل يجتمع فيه حق لله تعالى وحق للمقتول المظلوم. ومن شروط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم أو رد التباعات عليهم. وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا بإذن يدرك المقتول قبل موته، فيعفو عنه ويحلله من قتله إياه طيبةً بذلك نفسه.

وذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن القاتل في المشيئة، توبته مقبولة، فممن رُوي ذلك عنه: ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي بن أبي طالب ومجاهد وغيرهم، ولكلا القولين وجه من النظر باختلاف أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فقلما تجدهم يختلفون، إلا فيما تتعارض فيه الحجج وتتكافأ فيه الأدلة، فينبغي لمن لم يواقع هذا الذنب العظيم أن ينتهي عنه ويستعيذ بالله منه مخافة ألا يصح له منه متاب، فيحق عليه سوء العذاب ويناله شديد العقاب. ولمن أوقعه أن يتوب إلى الله ويستغفره، ولا ييأس من رحمة الله، {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧] .

وكان ابن شهاب إذا سئل: هل للقاتل توبة يتعرف منه

<<  <  ج: ص:  >  >>