للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعا بني إسرائيل وسألهم، فقالوا: لا علم لنا، هكذا وجدناه. وأخبرنا به آباؤنا عن آبائهم: أنهم هكذا وجدوه. قال بخت نصر: هذا دم مظلوم ولأقتلن عليه، فقتل سبعين ألفاً من المسلمين والكفار فهدأ بعد ذلك.

قال محمد بن رشد: قال في هذه الحكاية: إِن يحيى بن زكرياء إنما قتل في امرأة ولم يبينِ كيف كان سببه مع المرأة التي قتل من أجلها؟ فرُوي عَنِ ابْنِ عًبّاس «أن رَسولَ اللَهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ أسْرِي به رَأى زَكَرِيَّاءَ فِي السمَاء، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَه: يَا أبَا يَحْيى، أخْبِرْنِي عَنْ قَتْلِكَ، وَكَيْفَ قَتَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَدُ، أخْبِرُكَ أنَّ يَحْيىَ كَانَ خَيْرَ أهْل زَمَانِهِ وَأجْمَلَهُم وَأصْبَحَهُم وَجْهاً. وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَهُ: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: ٣٩] لَا يَحْتَاجُ إِلَى النِّسَاءِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأةُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَعَصَمَهُ اللَّه، وَامْتَنَعَ مِنْهَا، فَأَجْمَعَتْ عَلَى قَتْله، وَكَانَ لَهُم عِيد يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَنةٍ، وَكَانتْ سُنَّةُ الْمَلِكِ معه إِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ وَلَا يَكْذِبُ، فَخَرَجَ إِلَى الْعِيدِ، فَقَامَتِ امْرَأتُهُ فَشَيَّعَتْه، وَكَانَ بِهَا مُعْجَباً وَلَم تَكنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ لَها الْمَلِكُ: سَلِي حَاجَتَكِ، فَمَا تَسألِيني شَيْئاً إِلَا أعْطَيْتُكِ، فَقَالَتْ: دَم يَحْيىَ، فَقَالَ: سَلِي غَيرَهُ، قَالَتْ: هُوَ ذَلِكَ، قَالَ: هُوَ لَكِ، فَبَعَثَ إِلَى يَحْيىَ وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي وَأنَا إِلَى جَنْبِهِ أصَلِّي فَذُبحَ فِي طَسْتٍ فَحُمِلَ رأسُهُ وَدَمُهُ إِلَيْهَا، قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: فَمَا بَلَغَ مِنْ صَبْرِكَ؟ قَالَ: ما أبطلت مِنْ صَلاَتِي، فَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَيْهَا فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَلما أمْسَوْا خَسَفَ اللَّهُ بالْمَلِكِ وَأهْلَكَ بَيْتَهُ وَحَشَمَهُ، فَلَمَا أصْبَحُوا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: قَدْ غَضِبَ إلهُ زَكَرِيَّاء لِزَكَرِيَّاءَ، فَتَعَالَوْا حَتَّى نَغْضبَ لِمَلِكِنَا فَنَقْتُلَ زَكَرِيَّاءَ، فَخَرَجُوا فِي طلَبي لِيَقْتُلُونِي فَجَاءَنِي النذِيرُ، فَهَرَبْتُ مِنْهُم وَإِبْلِيسُ أمَامَهُم يَدُلُّهُم عَلًيّ فَلًمّا تخَوّفْت أَن يَلْحَقُونِي عَرَضَتْ لِي شَجَرَةٌ، فَنَادتني: إليَّ إِلَيَّ، فَانْصَدَعَتْ لِي، فْدَخَلتُ فِيهَا وَأخَذَ إِبْلِيسُ بِطَرَفِ رِدَاء لي وَالْتَأمَتِ الشَّجَرَةُ فَبَقِيَ طَرَفُ رِدَائِي خارِجاَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فجاءَت بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ إِبْلِيس: دَخَلَ فِي هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>