عز وجل، وقد اختلف الناس في الفقر والغنى على أربعة أقوال: فمنهم من ذهب إلى أن الغنى أفضل، ومنهم من ذهب إلى أن الفقر أفضل. ومنهم من توقف في ذلك، ولم ير المفاضلة. وهذا فيمن كَان يؤدي ما لله عليه من حق في حال الفقر لفقره، وفي حال الغنى لغناه؛ لأن من كان يؤدي حق الله الواجب عليه في الفقر، ولا يؤدي حقهُ الواجب عليه في الغنى فلا اختلاف في أن الفقر أفضل له من الغنى، ومن كان يؤدي حق الله الواجب عليه في الغنى، ولا يؤدي حقه الواجب عليه في الفقر، فلا اختلاف في أن الغنى أفضل؛ لأن الفضل في الفقر والغنى ليس لذاتهما، وإنما هو لما يكتسب بسبب ما يؤجر عليه، فيكتسب بسبب الفقر الرضا والصبر، على ما قسم له، والشكر لله على ذلك، والتصرف والخدمة فيما يحتاج إليه من كسوته ونفقته، ونفقة من يلزمه الِإنفاق عليه، فيؤجر على ذلك كله، ويكتسب بسبب المال الصبر على إنفاقه في الواجبات، وما يندب إليه من القربات، مع حبه إياه، قال تعالى:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى}[البقرة: ١٧٧] إلى قوله: {هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: ١٧٧] وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: ٨] . والشكر لله تعالى على ما أتاه من فضله فيؤجر على ذلك كله. والذي أقول به في هذا تفضيل الغنى على الفقر وتفضيل الفقر على الكفاف، وإنما قلت: إن الغنى أفضل من الفقر، لقوله عز وجل:{وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٣٢] فلو كان الفقر أفضل من الغنى، لكان تعالى يأمرنا أن نسأله تفضيل الأفضل بالأدنى، وذلك خلاف المعلوم