البيعة بالحُديبية وكانت الشجرة سمرة بالحديبية. وأما قوله في الخندق: إِنه كان على أربع، فهو خلاف ما قاله أهل السير من أنه كان في شوال من السنة الخامسة. وكان سببه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أجلَى بني النضير خرج نفر من سادات اليهود منهم حُيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، حتى قدموا مكة، فدعوا قريشاً إلِى حرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأجابهم أهل مكة إِلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان، فدعوهم فأجابوهم، فخرجت قريش يَجرهم أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان يقودهم عُيينة بن حصين الفزاري، فأقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم إليه، شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق، فرضي رأيه، وعمل المسلمون في الخندق، ونكص المنافقونَ وجعلوا يتسللون لِوَاذاً فنزلت فيه آيات من القرآن وكان من فرغ من المسلمين من حصته، عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق، وكانت فيه آيات بينات، وعلامات للنبوءة مذكورات.
وأما قوله في الفتح: إِنه كان على ثمان، فهو صحيح، لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَما انصرف من عمرة القضاء سنة سبع، أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم، وصفر، وشهري ربيع، ثم بعث - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في جمادى الآخرة من السنة الثامنة الأمراء إلى الشام، وأمَّر على الجيش زيد بن حارثة مولاه.
وقال: إِن أصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب، وشيعهم وودعهم، ثم انصرف ونهض، وكان من أمرهم ما هو مذكور في السيَر. ثم أقام رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة بعد بعث موتة، جمادى ورجب، ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عقد قريش المعقود يوم الحديبية، تركتً ذكره احتصاراً.
وخرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في عشرة آلاف، واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين الغفاري، وكان خروجه لعشر خلون من رمضان من سنة ثمان كما قال مالك في الرواية. وبالله تعالى التوفيق.