قال محمد بن رشد: المعنى في هذا الحديث - والله أعلم - أنه كان بعد أن فرض رمضان لأن صومه كان واجبا قبل أن يفرض صوم رمضان، بدليل ما جاء عن عائشة في حديث الموطأ من قولها:«كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه؛» لأن في قولها فلما فرض رمضان كان هو الفريضة دليل ظاهر على أنه كان هو الفريضة قبل أن يفرض رمضان، وقد دل على هذا أيضا ما روي «عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه قال: غدونا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صبيحة عاشوراء وقد تغدينا، فقال: أصمتم هذا اليوم؟ فقلنا: قد تغدينا، قال: فأتموا بقية يومكم» وروي «عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر يوم عاشوراء فعظم فيه، ثم قال لمن حوله: " من كان لم يطعم منكم فليصم يومه هذا، ومن كان قد طعم فليصم بقية يومه» ؛ لأن هذا هو حكم الفرض لا حكم التطوع، إذ لا يصح صيام التطوع لمن لم يبيته، لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» .
وقد روي عن ابن عباس ما دل على أن صومه لم يكن إلا للشكر لا للفرض، قال:«لما قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا: هذا اليوم أظهر الله عز وجل فيه موسى على فرعون، فقال: أنتم أولى بموسى منهم فصوموه» فجمع الطحاوي بين الحديثين بأن قال: يحتمل أن يكون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوجب صيامه بعد أن لم يكن واجبا.