قال مالك: وكان سلمان بالعراق يعمل بيده الحوص فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئا، وإنه لم يكن له بيت، وإنما كان يستظل بظل الجدار، وإن رجلا قال له: أبني لك بيتا، قال له: ما لي به حاجة، فما زال الرجل يردد ذلك عليه ويأبى ذلك عليه، حتى قال له الرجل: أنا أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي، قال: أبني لك بيتا إذا قمت فيه أصاب سقفه رأسك، وإذا أنت مددت فيه رجلك أصابت حائطه، قال: نعم، فبناه له.
قال محمد بن رشد: سلمان الخير هذا هو سلمان الفارسي، ويعرف بسلمان الخير، يكنى أبا عبد الله، ويقال: إنه مولى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. روي من وجوه أنه اشتراه على العتق، أصله من فارس، وكان إذا قيل له: ابن مَنْ أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام. وروي عنه أنه قال: كنت من أبناء أساورة فارس. وكان يطلب دين الله ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية وغيرها، وقرأ الكتب وصبر في ذلك على مشقات نالته. وروي: أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا، من رب إلى رب حتى أفضى إلي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَنَّ الله عليه بالإسلام، وكان خيرا فاضلا عالما زاهدا، دخل عليه قوم وهو أمير على المدائن بالعراق، وهو يعمل الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي، وكان تعلم عمل الخوص بالمدينة عند بعض موالي الأنصار، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وأول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه؛ إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، وقد قيل: إنه شهد بدرا وأحدا، والأكثر أن أول مشاهده الخندق،