حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر، قال مالك: وكان عمر لا يأتيه مال إلا أظهره، ولا رسول إلا أنزله.
قال محمد بن رشد: المعنى في قول عمر بن الخطاب حين أحدث الناس الخبيص الأحمر والأخضر: آكل مما يأكل الناس وأستبقي دنياي لآخرتي، أي: لا أتنعم في مالي بأكل المطاعم الطيبة، فيكون ذلك سببا إلى أن أشح على فعل الخير منه الذي أجده في آخرتي، يبين ذلك قوله لجابر بن عبد الله، إذ أدركه ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم، فاشتريت لحما بدرهم، أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره وابن عمه، أين تذهب هذه الآية عنكم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[الأحقاف: ٢٠] ؟ لأن الأجر ليس هو في مجرد شح الرجل على نفسه بما له في ترك أكل المطاعم الطيبة منه؛ لأن الله عز وجل يقول:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}[الأعراف: ٣٢] ، وإنما هو في تركه ذلك ليواسي به ويفعل الخير منه، وقد روي عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لو شئت كنت أطيبكم طعاما وألينكم لباسا، ولكني أستبقي طيباتي. ومعناه: أستبقيها لأوثرها غيري فأجد ذلك في آخرتي، فآكل الطيب من الطعام من المباح الذي لا وزر في فعله ولا أجر في مجرد تركه، وإذا لم يصرف الغني شيئا من ماله إلا في استمتاعه به في أكل الطيبات ولباس لين الثياب فالفقر خير له من الغنى إذا شكر الله عليه