به راميا حقيقة لا مجازا، وإنما الذي نفي عنه جملة الانتفاع الذي كان عن الرمي فانهزم به المشركون، وذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما واجهه العدو يومئذ صاح بهم صيحة وأخذ حصى أو ترابا ورمى بها في وجوههم، وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق منهم أحد إلا دخلت الحصاة والتراب في عينيه، فلم يملكوا أنفسهم ورجعوا على أعقابهم، ونادى مناديه يا آل المهاجرين يا آل الأنصار، فما تكامل المسلمون بالرجوع إليه إلا وأسرى المشركين بين يديه.
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم سليم:«أويأتي الله بخير من ذلك يا أم سليم» إذ قالت له ما قالت يريد ما فعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الدعاء إلى الله عز وجل بإنجاز ما وعده به من النصر، وكذلك فعل، رفع يديه إلى الله عز وجل يدعو يقول «اللهم أسألك ما وعدتني» ونادى أصحابه وقبض قبضة من الحصى فحصب بها وجوه المشركين ونواحيهم كلها، وقال:«شاهت الوجوه» وأقبل إليه أصحابه سراعا يبتدرون، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الآن حمي الوطيس» فهزم الله أعداءه من كل ناحية، حصبهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعهم المسلمون يقتلونهم، وغنمهم الله نسائهم وذراريهم وشاءهم وإبلهم، وفي ذلك قال الله عز وجل:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧] الآية، وقال عز وجل:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}[التوبة: ٢٥] الآية، إلى قوله:{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[التوبة: ٢٦] .
وفيما ذكره شهود النساء الغزوات ليخدمن الغزاة ويسقين الماء ويداوين الجرحى، ولا لسهم لهن من الغنيمة ولا للصبيان ولا للعبيد، واختلف أهل العلم هل يرضخ لهم من الغنيمة على غير وجه قسم، فلم ير ذلك