قال محمد بن رشد: هاتان الخصلتان من الخصال التي يستحب أن تكون في القاضي، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز منها خمس خصال بهاتين الخصلتين، وهي أن يكون عالما بالفقه والسنة ذا نزاهة عن الطمع، مستخفا بالأئمة يريد أنه يدير الحق على من دار عليه ولا يبالي بمن لامه على ذلك، وقيل معناه مستخفا بالأئمة أي لا يهابهم في القضاء بالحق وإن كرهوا ذلك منه، حليما على الخصم، مستشيرا لأولي العلم، وهي كثيرة منها أن يكون من أهل البلد ممن يسوغ له الاجتهاد، معروف النسب ليس بابن لعان ولا ولد زنى، غنيا ليس بفقير ولا محتاج، نافذا فطنا غير مخدوع لعقله ولا محدود في قذف ولا زنى ولا سرقة، وروي عن عمر ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لا يصلح أن يلي القضاء إلا من كان حصيف العقل شديدا في غير عنف لينا في غير ضعف، قليل الغرة بعيد الهيبة لا يطلع الناس منه على عورة.
فهذه الخصال المستحسنة ينبغي توخيها وبعضها أكثر من بعض، فيقدم الذي يجتمع فيه منها أكثرها، وقد قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا أرى خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع فيه منها خصلتان رأيت أن يولى: العلم والورع، قال ابن حبيب: فإن لم يكن علم وورع فعقل وورع، فبالعقل يسأل، وبالورع يقف، وإذا طلب العلم وجده، وإن طلب العقل لم يجده، يريد بالعقل العقل الحصيف، وأما العقل الذي يوجب التكليف فهو مشترط في صحة الولاية كالإسلام والحرية والبلوغ والذكورية والتوحد فإن ولي من عدم خصلة من هذه الخصال الست لم تنعقد له الولاية، ومن الخصال خصال ليست مشترطة في صحة الولاية إلا أنه يجب عزله عنها بعدم شيء منها، وهي أن يكون سميعا بصيرا متكلما.
واختلف في العدالة، فقيل: إنها مشترطة في صحة الولاية كالإسلام