مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي، فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو لجرو قثاء في يده، وتقول علي مشي إلى بيت الله، قال: فقلت نعم فقلته وأنا يومئذ حديث السن، ثم مكثت حتى عقلت، فقيل لي: إن عليك مشيا فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك فقال: عليك مشي، فمشيت، فعبر مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الحكاية عن النذر بالحلف لاستوائهما عنده في الوجوب؛ لأنه إنما قصد إلى الإعلام بأن من لم يحتلم فلا يلزمه النذر ولا اليمين، وقوله صحيح لقول النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاث» فذكر فيهم الصبي حتى يحتلم، فلا اختلاف أعلمه في أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه إلا أنه يستحب له الوفاء به.
وأما اليمين فقد قال ابن كنانة إنها تلزمه قبل البلوغ إذا حنث فيها بعد البلوغ وهو شذوذ، ومن أهل العلم من ذهب إلى أن المشرك إذا نذر نذرا في حال الكفر يلزمه الوفاء به بعد الإسلام لما روي من أن «عمر بن الخطاب قال للنبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام، فقال له النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: "فِ بنذرك» ، وهو عندنا وعند أكثر أهل العلم على أن ذلك على الندب لا على الوجوب، ومما يدل على ذلك أيضا أن "فِ" لا يستعمل إلا فيما ليس بواجب، يقال وفي بالوعد وأوفى بالحق والنذر، فيلزم من أوجب على الكافر الوفاء بالنذر بعد الإسلام أن يوجب على الصغير الوفاء به بعد البلوغ، بل هو أحق أو يجب عليه على مذهبه؛ لأن الصغير وإن كان لا تكتب عليه السيئات فتكتب له الحسنات على الصحيح من الأقوال، والكافر لا تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات، وبالله التوفيق.