«أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة» لأنه حديث صحيح محمول على عمومه في الليل والنهار مع استواء الصلاة في الإقبال عليها وترك اشتغال البال فيها. وقد سئل مالك في أول رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب الصلاة عن الصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في النوافل، أفيه أحب إليك أم في البيوت؟ فقال: أما الغرباء فإن فيه أحب إلي "، يعني بذلك الذين لا يريدون إقامة، يدل هذا من قوله أن الصلاة بالنهار في البيوت لغير الغرباء أحب إليه من الصلاة في المسجد.
ومعنى ذلك إذا أمنوا من اشتغال بالهم في بيوتهم بغير صلاتهم. وأما إذا لم يأمنوا ذلك فالصلاة في المسجد أفضل لهم، فقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ركع ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء غفر له ما تقدم من ذنبه» . وإنما كانت صلاة النافلة للغرباء في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أفضل منها لهم في بيوتهم بخلاف المقيمين، لأن الصلاة إنما كانت أفضل في البيوت منها في مسجد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وفي جميع المساجد من أجل فضل عمل السر على عمل العلانية. قال الله عز وجل:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢٧١] . وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سبعة يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر فيهم من ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ومن تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» . والغرباء لا يعرفون في البلد فلا يذكرون بصلاتهم في المسجد. فلما لم يكن لصلاتهم في بيوتهم قربة من