للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن رشد: أجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يسرع الرجل في السير في سفره لحاجة تعرض وإن تجاوز في ذلك المراحل المعهودة في المشي، ولم ير عليه حرجا في إتعاب دابته في ذلك، واستدل على جواز ذلك بسير عبد الله بن عمر من مكة إلى المدينة في ثلاثة أيام وهي مسيرة عشر مراحل على السير المعتاد، وأن سعيد بن أبي هند قد فعل ذلك على خيره وعبادته وفضله، وأنه كان من اجتهاده في العبادة يقعد مع أصحابه في المسجد بعد الصبح وما يكلم أحد منهم صاحبه اشتغالا بذكر الله، لما جاء من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ألا أخبركم بساعة من ساعات الجنة الظل فيها ممدود والعمل فيها مقبول والرحمة فيها مبسوطة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من أذان صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.» وإذا جاز للرجل حمل المشقة على نفسه في إسراع السير جاز له أن يحملها على دابته، لما أباح الله عز وجل من تسخيرها وعدد النعمة بذلك على عباده فقال: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: ٧] . ومما يدل من الحديث على أنه يكره له أن يفعل ذلك من غير حاجة ويجوز له أن يفعله لحاجة قوله في الحديث الصحيح المأثور حديث الموطأ: «إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإذا كانت الأرض جذبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار» الحديث. ولا خير في الكلام كما قال مالك، لأن كلام المرء كله محصى عليه ومسئول عنه. قال الله عز وجل:

<<  <  ج: ص:  >  >>