للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: خل لنا سبيل الريح من نتن هذا الحمار أف وأمسك أنفه، فمضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وغضب له بعض القوم وهو عبد الله بن رواحة، فقال: ألرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قلت هذا القول؟ فوالله لحماره أطيب ريحا منك فاستبا ثم اقتتلت عشائرهما، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأقبل يصلح بينهم، فكأنهم كرهوا ذلك فنزلت هذه الآية: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: ٩] إلى آخر الآية» فأرادت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بقولها والله أعلم: ما رأيت مثل ما ترك الناس في هذه الآية نسبة التقصير إلى من أمسك من الصحابة عن الدخول في الحروب التي وقعت بينهم واعتزلهم وكف عنهم ولم يكن مع بعضهم على بعض، ورأت أن الحظ لهم والواجب عليهم إنما كان في أن يروموا الإصلاح بينهم، فإن لم يقدروا عليه كانوا مع من يقتضيه نظرهم أنه على الحق منهم على ما تقتضيه الآية.

وإنما أمسك من أمسك منهم عن نصر بعضهم على بعض طلبا للخلاص والنجاة مما شجر بينهم، إذ لم يبن لهم من كان على الحق منهم والله أعلم، فكان فرضهم ما فعلوه من الإمساك، إذ لا يحل قتال مسلم بشك، كما كان فرض كل من قاتل منهم ما فعله من القتال لاعتقاده أنه مصيب باجتهاده، فكلهم محمود على ما فعله: القاتل منهم والمقتول في الجنة. فهذا الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده فيما شجر بينهم، لأنهم قد أثنى الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله، فقال عز من قائل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣] ، أي خيارا عدولا. وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: ٢٩] الآية، وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>