ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وإن لم يتب منها كان في المشيئة لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨] إلا القاتل عمدا فإنهم اختلفوا في قبول توبته وإنفاذ الوعيد عليه على قولين: فذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى أن القاتل في المشيئة وأن توبته مقبولة، وذهب جماعة منهم إلى أنه لا توبة له والوعيد لاحق به، فممن روي ذلك عنه ابن عمر على ما جاء في هذه الحكاية عنه، وعن ابن عباس وأبي هريرة، وزيد بن ثابت. روي أن سائلا سأل ابن عمر وابن عباس وأبا هريرة عن من قتل رجلا مؤمنا متعمدا هل له من توبة؟ فكلهم قال: هل يستطيع أن يحييه؟ هل يستطيع أن يبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء. وإلى هذا ذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنه روي عنه أن إمامة القاتل لا تجوز وإن تاب.
ويؤيد هذا المذهب ما روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«كل ذنب عسى الله أن يعفو عنه إلا من مات كافرا أو قتل مؤمنا متعمدا» . وذلك، والله أعلم، أن القتل يجتمع فيه حق الله تعالى وحق المقتول المظلوم. ومن شرط صحة التوبة من مظالم العباد تحللهم أو رد التباعات إليهم، وهذا ما لا سبيل للقاتل إليه إلا أن يدرك المقتول قبل موته فيعفو عنه ويحلله من قتله طيبة بذلك نفسه. وكذلك اختلف أيضا في القصاص منه هل يكون له كفارة أم لا على قولين: وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك كله وما نزع به كل فريق منهم من الكتاب والسنة في كتاب الديات من المقدمات، وبالله التوفيق.