وكانت عندي موقوفة، كانت على حال ما أعلمتك، يزكيها لكل سنة مضت.
قال محمد بن رشد: فرق مالك في هذه الرواية بين المال المدفون يضل عن صاحبه موضعه، فيجده بعد سنين؛ وبين اللقطة ترجع إلى ربها بعد سنين، فأوجب الزكاة في المال المدفون لجميع السنين، ولم يوجبها في اللقطة إلا لعام واحد؛ ورد سحنون مسألة اللقطة إلى مسألة المال المدفون، فأوجب الزكاة فيها لما مضى من السنين، ورد مالك في رواية علي بن زياد عنه في المجموعة - المال المدفون إلى اللقطة، فلم يوجب الزكاة فيهما جميعا إلا لعام واحد، وهو أصح الأقوال في النظر؛ لأن الزكاة إنما وجبت في المال العين - وإن لم يحركه صاحبه ولا طلب النماء فيه، لقدرته على ذلك، وهو هاهنا غير قادر على تحريكه وتنميته في المسألتين جميعا، فوجب أن تسقط عنه الزكاة فيهما، ولقد روى ابن نافع عن مالك على طرد هذه العلة - أن الوديعة لا زكاة على صاحبها فيها حتى يقبضها فيزكيها لعام واحد، إذ لا قدرة له على تنميتها إلا بعد قبضها - وهو إغراق، إلا أن يكون معنى ذلك أن المودع غائب عنه، فيكون لذلك وجه؛ فهذه الرواية تدل على أن عدم القدرة على تنمية المال، علة صحيحة في إسقاط الزكاة عنه.
ووجه قول مالك في تفرقته بين المال المدفون واللقطة، أنه هو عرض المال بدفنه إياه لخفاء موضعه عليه، بخلاف اللقطة؛ قال ذلك ابن حبيب، وليس بفرق بين؛ لأنه مغلوب بالنسيان على الجهل بموضع المال المدفون، كما هو مغلوب على الجهل بموضع اللقطة، ووجه مساواة سحنون بينهما في وجوب الزكاة فيهما، هو ما اعتل به من استوائهما في الضمان منه فيهما، وعدم القدرة على التنمية هي العلة الصحيحة التي تشهد لها الأصول، وقال ابن المواز: إن دفنها في بيته فلم يجدها ثم وجدها حيث دفنها، فعليه زكاتها لما مضى من الأعوام؛ وإن دفنها في صحراء، فغاب عنه موضعها، فليس عليه فيها إلا زكاة واحدة - إذا وجدها، وهو قول له وجه،