- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إلى أنه لا يجوز للوصي أن يأكل من مال يتيمه إلا بقدر اشتغاله به وخدمته فيه وقيامه عليه إن كان محتاجا إلى ذلك. قال محمد بن المواز في كتابه عمن حكاه عنه من أهل العلم على ما جاء عن عبد الله بن عباس في الحديث المذكور فوق هذا.
وأما إن كان غنيا عن ذلك فلا يفعل لقول الله عز وجل:{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ}[النساء: ٦] وقيل إن للغني أن يأكل منه بقدر قيامه عليه وخدمته فيه وانتفاع اليتيم به في حسن نظره له، فإن لم يكن له في ماله خدمة ولا عمل سوى أنه يتفقده ويشرف عليه لم يكن له أن يأكل منه إلا ما لا ثمن له ولا قدر لقيمته، مثل اللبن في الموضع الذي لا ثمن له فيه على ما قاله في رسم اغتسل من سماع ابن القاسم من كتاب الوصايا، ومثل الفاكهة من ثمر حائطه على ما قاله في هذه الرواية، ولا يركب دوابه ولا ينتفع بظهر إبله ولا يتسلف من ماله. ومن أهل العلم من ذهب إلى أن لوالي اليتيم إذا كان فقيرا أو احتاج أن يأكل من مال يتيمه بغير إسراف ولا قضاء عليه فيما أكل منه، لقول الله عز وجل:{وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٦] . واختلف في معنى ذلك فقيل هو أن يأكل من ماله بأطراف أصابعه ولا يكتسي منه؛ وقيل: هو ما سد الجوع ووارى العورة، ليس لبس الكتان ولا الحلل؛ وقيل هو أن يأكل من ثمره، ويشرب من رسل ماشيته لقيامه على ذلك، وأما الذهب والفضة فليس له أخذ شيء منهما إلا على وجه القرض؛ وقيل: إن له أن يأكل من جميع المال وإن أتى على المال ولا قضاء عليه، وقيل: معنى قوله عز وجل: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء: ٦] هو أن يأخذ من ماله قدر قوته قرضا، فإن أيسر بعد ذلك قضاه، وروي هذا القول عن سعيد بن المسيب، وروي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف فإذا أيسرت قضيته، وبالله التوفيق.