المنكرات، وحب المساكين وإذا أردت في قوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» .
قال محمد بن رشد: يروى: وإذا أدرت، والمعنى في ذلك سواء، لأنه إذا أراد الفتنة فقد أدارها، وإذا أدارها فقد أرادها. والفتنة على وجوه: فمنها ما كان في أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تعذيبهم ليرتدوا عن دينهم، فذلك قول الله عز وجل:{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}[البقرة: ١٩١] أي العذاب أشد منه؛ ومنها أن يفتن الله قوما أي يبتليهم، ومنها ما يقع بين الناس من الخلاف والحروب؛ ومنها الفتنة بالنساء، تقول قد فتن بالمرأة إذا تعشقها؛ ومنها الإضلال، قال الله عز وجل:{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ}[الصافات: ١٦٢] أي بمضلين؛ ومنها الفتنة بالنار، تقول: فتنته بالنار أي أحرقته بها، وفي القرآن {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}[الذاريات: ١٣] أي يحرقون. والفتان: الشيطان الذي يصد الناس عن دينهم ويغويهم، وفتانا القبر منكر ونكير، فينبغي أن يستعاذ بالله عز وجل من الفتنة على الوجوه كلها تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودعاؤه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في فعل الخيرات وترك المنكرات بين لا إشكال فيه. وأما دعاؤه في حب المساكين فالمعنى فيه، والله أعلم، حب المسكنة، فقد روي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين» . ومعناه الذليل المتواضع لله الذي لا جبروت فيه ولا كبرياء، لا المسكين الفقير من المال، فقد استعاذ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الفقر المنسي