الخطاب: أرأيت إن حملت لهم بيضاء مضر حتى أضعها لهم بالجار أتراهم يقبلونها مني أم يكلفوني [أن أحملها لهم] إلى المدينة؟ فقيل له: بل يقبلونها، فقال لئن بقيت إلى رأس الحول لأحملنها لهم، فحملها. قال مالك: فكان عمر بن الخطاب أول من حملها في البحر إليهم، ثم كانت تحمل فتقسم بين الناس، فكان يؤثر بها في زمان بني أمية، فلما كان عمر بن عبد العزيز قسمها بالسواء بين الناس، فيقول القرشي أنا آخذ ومولاي سواء، فيأبى أخذها.
قال محمد بن رشد: اختلفت سيرة الخلفاء بعد رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قسم مال الله الذي افترضه لعباده على أيدي خلفائه في الفيء وما ضارعه الذي ساوى فيه بين الأغنياء والفقراء، فساوى أبو بكر بين الناس فيه ولم يفضل أحدا بسابقه ولا قدم، فكلمه عمر بن الخطاب في ذلك فقال له: تلك فضائل عملوها لله، وثوابهم فيها على الله، وهذا المعاش الناس فيه أسوة، وإنما الدنيا بلاغ. وفاضل عمر بعد أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بين الناس، وفرض لهم الديوان على سوابقهم في الإسلام وفضلهم في أنفسهم. ثم ولي عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بعد عمر، فسار في ذلك بسيرة عمر، ثم ولي علي بالعراق بعد عثمان فأخذ بفعل أبي بكر، فساوى ولم يفضل. ثم ولي عمر بن عبد العزيز فأخذ بالأمرين جميعا: فرض العطاء ففاضل فيه بين الناس على قدر شرفهم ومنازلهم من الإسلام، وقسم على العامة على غير ديوان العطاء فساوى في ذلك بين الناس على ما جاء عنه في هذه الرواية. وهذا الاختلاف في الاجتهاد إنما هو فيما فضل من المال بعد سد الثغور، وأرزاق العمال والقضاة والمؤذنين وعطاء المقاتلة وما ينوب