للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في السعير.

قال محمد بن رشد: تفسير مالك صحيح واضح؛ لأن الله تعالى خلق عباده لما يسرهم له مما قدره عليهم من طاعة وإيمان يصيرون به إلى الجنة، أو كفر وعصيان يصيرون به إلى النار، يتبين ذلك من تفسيره قوله إثر ذلك: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [هود: ١١٩] أي سبقت كلمة ربك {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: ١١٩] أي من كلا الفريقين من الجنة والناس أجمعين، أي من بعضهم لا باستيعاب جميعهم؛ لأن من تدل على التبعيض. وقوله في أول الآية: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: ١١٨] أي على ملة واحدة وهي الإيمان والإسلام مثل قوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: ٩٩] . وقوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: ١١٨] معناه ولا يزال من الناس من أهل ملل الكفر يختلفون فيما يدينون به من أنواع الكفر؛ لأنهم في ريب من أمرهم وشك لتكذيبهم الحق. قال الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: ٥] أي ملتبس، وعامة الناس كفار. فقوله عز وجل: {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: ١١٩] وهم المؤمنون، استثناهم [الله عز وجل] من الناس فعلم بذلك أنهم لم يدخلوا في عموم قوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: ١١٨] إذ لم يختلفوا فيما يختلف فيه الكفار من البعث والتوحيد والإقرار للنبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالرسالة. فقول من قال في تأويل قوله عز وجل: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: ١١٩] إنه خلقهم للاختلاف، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>