للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشفاعة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى لا يبقى فيها من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. وتصديق ذلك في كتاب الله قوله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] . فقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧] وعد من الله عز وجل على عمومه لا بد أن يكون؛ لأن الله لا يخلف الميعاد. وأما قوله عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٨] فهو وعيد ليس على عمومه، ومعناه فيمن لا يغفر له؛ لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] . وقد قيل في وعيد الله عز وجل إنه ليس بحتم قد ينفذه وقد لا ينفذه؛ لأن الخلف في الوعيد من صفات المدح قال الشاعر:

وإني وإن أوعدته أو وعدتة ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

والأول هو الصحيح أن الوعيد متوجه إلى من علم الله عز وجل أنه ينفذ عليه الوعيد ولا يغفر له. وفي قوله: مثقال ذرة من إيمان دليل على أن الإيمان يتفاضل. وفي معنى تفاضل الإيمان وزيادته ونقصانه اختلاف قد ذكرناه وحصلنا القول فيه في صدر كتاب المقدمات. فقوله في الحديث «إنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» معناه من كان معه من الإيمان أدنى مراتبه التي إن نقص منه شيء عاد شكا أو كفرا. وتفاضله بقوة اليقين فيه والعلم به والبعد من طروء الشكوك عليه. والإيمان ليس بجسم فيعبر بالوزن. فقوله فيه مثقال حبة من إيمان إنما هو تمثيل، وقد يمثل ما يعقل ولا يوزن بما يعلم مما يوزن ليفهم المعنى فيه، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>