الذي ذكر الله تبارك وتعالى في كتابه وجعل يتقرب إليه بها.
قال محمد بن رشد: إنما رأى غسل الجرح بالبول أخف من غسله بالخمر، لأن الله تبارك وتعالى قال في الخمر إنها رجس وأمر باجتنابها حيث يقول:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: ٩٠] فاقتضى ظاهر الأمر باجتنابها بحمله على مقتضاه من العموم الشرب وغيره؛ والبول لم يأت فيه ذلك إلا أنه نجس بالإجماع، فحرم التداوي بشربه وجاز الانتفاع به في غسل الجرح وشبهه، قياسا على ما أجازته السنة من الانتفاع بجلد الميتة النجس. وفرق في هذه الرواية بين أبوال الأنعام وأبوال ما يؤكل لحمه من سائر الحيوان، فقال ابن لبابة: معنى ذلك في التداوي بشربها لا في طهارتها، وهو تأويل محتمل، والقياس إذا استوت عنده في الطهارة أن تستوي في إجازة التداوي بشربها، وإذا افترقت عنده في إجازة التداوي بشربها أن تفترق عنده في الطهارة، فالتفرقة بين أبوال الأنعام وأبوال ما يؤكل لحمه من غيرها في الطهارة وفي جواز التداوي بشربها مع استوائها في الطهارة استحسان.
ووجه التفرقة بينهما في الطهارة هو أن الأصل كان في جميع الأبوال أن تكون نجسة قياسا على أبوال بني آدم، فخصص من ذلك أبوال اللقاح بالسنة، وأبوال سائر الأنعام بالقياس على ما خصصته السنة، وبقي أبوال سائر الحيوان على الأصل في النجاسة.
ووجه التفرقة بينهما في التداوي بشربها مع استوائهما في الطهارة مراعاة قول المخالف في أنها كلها نجسة، فلا يشرب منها في الدواء إلا ما أجازته السنة، وهي أبوال الأنعام. وقد مضى في الرسم الأول من سماع أشهب زيادة في معنى هذا فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.