ذلك أنه نهى عن الكي في أمر ما أو في علة ما، أو أنه نهى عنه نهي أدب وإرشاد إلى التوكل على الله عز وجل والثقة به، فلا شافي سواه، ولا شيء إلا ما شاءه. ومن الدليل على ذلك ما روي عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من رواية مغيرة بن شعبة أنه قال:«ما توكل من استرقى أو اكتوى» يريد، والله أعلم، ما توكل حق التوكل، لأن من لم يسترق ولا اكتوى أشد توكلا وإخلاصا للتوكل منه. ويعضد هذا قوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم وهم الذين لا يسترقون [ولا يكتوون] ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» . ومن هذا المعنى ما روي أن رجلا من العرب شاور عمر بن الخطاب في أن يكوي ابنه، فقال له لا تقرب ابنك النار، فإن له أجلا لا يعدوه. ومنه ما روي «عن جابر بن عبد الله قال: اشتكى رجل منا شكوى شديدة، فقال الأطباء لا يبرأ إلا بالكي، فأراد أهله أن يكووه، وقال بعضهم لا حتى نستأمر رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستأمره فقال لا يبرأ، فلما رآه رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: هذا صاحب بني فلان؟ قالوا نعم، قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن هذا لو كوي قال الناس إنما أبرأه الكي» . وقد اكتوى جماعة من السلف، منهم خباب. قال قيس بن أبي حازم: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبعا في بطنه، وقال قيس عن جرير أقسم علي عمر لأكتوين. واكتوى ابن عمر وكوى ابنه وهو محرم. وكوى الحسن بن علي نجيبة له قد مال سنامها على جنبها، فأمر أن تقطع وتكوى، وبالله التوفيق.