أنه يعتقد ما حكاه عمن أدرك ممن يقتدى به من الكف عن التفضيل بينهما. فيحتمل أن يكون حكى ذلك عمن أدرك ممن يقتدي به في الرواية، وهو يعتقد تفضيل عثمان على علي بما بان له بقول من يقتدي به في العلم، أو لما بلغه عمن لم يدرك ممن هو أرفع مرتبة ممن أدرك. وقد وقعت هذه الحكاية في كتاب الديات من المدونة بخلاف هذا اللفظ، ونصه: قال ابن القاسم فقلت لمالك: فعلي وعثمان أيهما أفضل؟ فقال: ما أدركت أحدا ممن أقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه، يعني عليا وعثمان، ويرى الكف عنهما، وفي بعض الروايات: ورأيته يرى الكف عنهما. فقوله ويرى الكف عنهما يحتمل أن يكون من قول مالك حكاية عمن أدركه ممن يقتدي به، ويحتمل أن يكون من قول ابن القاسم حكاية عن مالك. فإن كان من قول مالك حكاية عمن أدرك ممن يقتدي به فهو مثل ما في هذه الحكاية من قوله ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا يكف عن التفضيل بينهما، وقد مضى الكلام على ذلك، [وإن كان] من قول ابن القاسم حكاية عن مالك فهو نص منه في التوقف عن التفضيل بينهما على ما حكاه عمن أدرك ممن يقتدي به، بخلاف المروي عنه من تفضيل عثمان على علي. فإن كان اختلف قوله في ذلك فقد قيل إن القول الذي رجع إليه هو تفضيل عثمان على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وليس في التوقف عن التفضيل بينهما شيء من الطعن على واحد منهما، وإنما هو إقرار لهما بالفضل جميعا.
ثم الفضل بعد هؤلاء الأربعة لبقية العشرة: الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وكلهم بدريون. ثم التقدم بعد هؤلاء العشرة لبقية أهل بدر؛ ثم أهل بيعة الرضوان، وهم أصحاب الشجرة الذين قال الله عز وجل فيهم:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}[الفتح: ١٨]