قال محمد بن رشد: أما قوله عز وجل: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] فلا اختلاف في أن الخطاب فيه لأصحاب الأموال. واختلف في المراد بذلك الحق ما هو، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أنه الزكاة المفروضة في الأموال، وروي ذلك عن ابن عباس وجماعة [من أهل التفسير] ، وقال آخرون: بل ذلك حق أوجبه الله عز وجل في الأموال غير الزكاة المفروضة، فنسخه الله بالزكاة، فلا حق في الأموال سوى الزكاة.
وأما قوله عز وجل:{وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام: ١٤١] فقيل: إن الخطاب فيه لآخذي الزكاة فلا يتعدوا من الزكاة أكثر من الواجب فيها فيكونوا من المسرفين، وهو قوله في هذه الرواية. وقيل: الخطاب بذلك للولاة أن لا يأخذوا أكثر من الواجب لهم فيكونوا من المسرفين، ولأصحاب الأموال أن لا ينقصوا من الواجب عليهم فيكونوا من المسرفين؛ لأن الإسراف يكون في الزيادة على الحق وفي النقصان منه. وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال في تأويل الآية: معناها لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. وفي قوله عز وجل:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] على القول بأن المراد بالحق الزكاة بعد أن ذكر في الآية الزمان، دليل على إيجاب الزكاة في الفواكه. وإلى هذا ذهب ابن حبيب. وفي قوله عز وجل:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] بعد أن ذكر الثمار والزرع، دليل على أن الزكاة لا تجب في الثمار إلا يوم جذاذها؛ لأن الحصاد في الثمار هو جذاذها، وأنه ليس على الرجل أن يحصي في الزكاة ما أكل من ثمر النخيل والأعناب قبل الجذاذ ولا من الفريك والفول الأخضر وشبهه قبل الحصاد، وهو قول الليث بن سعد ومذهب الشافعي تعلقا بظاهر هذه الآية