للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال محمد بن رشد: في هذا دليل واضح، بل هو نص جلي في أن الإيمان وإن كان هو التصديق الحاصل في القلب فإنه يتفاضل في الرسوخ والقوة والثبوت والبعد من طروء الشكوك عليه، فليس من آمن بالله ولم يعرفه بالاستدلال عليه كمن عرفه به، ولا من عرفه بوجه واحد من وجوه الأدلة كمن عرفه من وجوه كثيرة، ولا من عرفه بالأدلة دون معاينة الآيات كمن شاهدها وعاينها بحضرة النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قوة اليقين في القلب وبعده عن أن يفتن فيه أو يدفعه الشيطان، وقد أعلم الله عز وجل بزيادة الإيمان فقال: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة: ١٢٤] وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: ١٢٤] ومعنى ذلك زيادة اليقين في القلب والبعد من أن تطرأ عليه الشكوك فيه، وهذا أولى ما قيل في معنى زيادة الإيمان الذي نص الله تبارك وتعالى عليه. وقد روي عن مالك أنه كان يطلق القول بزيادة الإيمان ويكف عن إطلاق نقصانه، إذ لم ينص الله تعالى إلا على زيادته، فروي عنه أنه قال عند موته لابن نافع وقد سأله عن ذلك: قد أبرمتموني، إني تدبرت هذا الأمر، فما من شيء يزيد إلا وهو ينقص، الإيمان يزيد وينقص. وهذا بين على القول بأن زيادة الإيمان إنما هو زيادة اليقين، إذ قد يضعف اليقين بالإيمان من غير أن يداخله شك فيه، فيكون ذلك هو نقصانه. وقد قيل إن معنى زيادة الإيمان زيادة العدد بتكرره؛ لأن إيمان شهر أقل عددا من إيمان شهرين، فعلى هذا القول لا يتصور في الإيمان نقصان إلا على تأويل وهو نقصانه على المرتبة التي كان عليها من الكثرة. وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب المقدمات، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>