والمبنية بالمال الحرام، وعن السكنى فيها والتجارات بالبز وغير ذلك، قال: لا أرى ذلك يحل. وهذا مثل ما وصفت لك من كسب الحرام. ومن اكتسب فيه شيئا فهو خبيث قليله وكثيره، وقال لا أرى القعود عندهم في تلك الحوانيت، ولا أرى أن تتخذ طريقا إلا المرة بعد المرة إذا احتاج إلى ذلك ولم يجد منه بدا. وذكر أن ابن القاسم كان في جواره مسجد بني من الأموال الحرام، فكان لا يصلي فيه ويذهب إلى أبعد منه ولا يراه واسعا لمن صلى فيه. والصلاة عظم الدين، وهذا أحق ما احتيط فيه، وأهل الورع يتقون هذا ودونه.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا إن الاكتراء في القيساريات المغتصبة والمبنية بالمال الحرام والتجارة فيها لا يحل، والكسب فيها خبيث قليله وكثيره، هو على أصله في أن المال الذي يشوبه حرام حرام كله، يلزم الصدقة بجميعه، وهو شذوذ من القول وتشديد فيه. وإنما الذي يشبه أن يقال إنه ما لم يتمح منه بإخراج ما فيه من الحرام، ورده إلى أربابه إن عرفهم، أو الصدقة به عنهم إن لم يعرفهم، فلا يجوز له أن يأكل منه شيئا وإن كان فيما بقي منه ما يفي بما فيه من الحرام؛ لأن ما أكل منه فبعضه حرام؛ لأنه كله مشاع، فلا يطيب له منه شيء حتى يخرج منه الحرام فيرده إلى أربابه إن عرفهم، أو يتصدق به عنهم إن لم يعرفهم. فإن كان أصبغ أراد هذا فلقوله وجه، وهو أن الحرام شائع في المال متيقن فيه حتى يخرج منه. وأما إن كان أراد المال كله يصير عينه حراما لما خالطه من الحرام فلا يطيب له منه شيء ويلزمه أن يتصدق بجميعه فهو بعيد خارج عن الأصول. والذي يوجبه النظر بالقياس، على الأصول ألا يحرم عليه شيء مما اكتسب بالتجارة في الحانوت من القيساريات [المغتصبة] ويلزمه كراء الحانوت، لأرباب القيسارية للمدة