قال محمد بن رشد: قال في الذي ورث المال عن أبيه بعضه حلال وبعضه حرام إنه إن كان الغالب عليه الحرام فأحب إليه أن يتنزه عن ذلك يدل ذلك من قوله: على أنه له حلال بالميراث وإن كان الغالب عليه الحرام، إلا أنه استحب له أن يتنزه عنه، وأنه إن كان الغالب عليه الحلال فهو له سائغ حلال ليس عليه أن يتنزه عن شيء منه. وقال في الذي يرث المال عن أبيه إنه إن كان يصحب السلطان ويلتبس بأمورهم ويأخذ من الجورة، فإنه إن كان الذي في يده من السلطان هو الأكثر فلا خير في قبول صلته ولا أكل طعامه، وإن كان الذي ورث هو الأكثر فأحب إليه أن يتنزه عن أخذ صلته وأكل طعامه؟ ففرق بين المال الذي جله حرام أو جله حلال بين الهبة والميراث، فأباحه بالميراث إلا أنه استحب أن يتنزه عنه إن كان جله حراما، ولم يبحه بالهبة والعطية إذا كان جله حراما، وقال لا خير فيه، واستحب أن يتنزه عن قبول الهبة منه إن كان جله حلالا. والقياس أن ينزل الوارث في المال الموروث منزلة الموروث، فإن كان المال كله حراما لم يسغ له بالميراث ولزمه فيه ما كان يلزم موروثه من الصدقة على المساكين بجميعه؛ وإن كان بعضه حراما تصدق منه بمقدار الحرام، كان الأقل أو الأكثر، كما كان يلزم الذي ورثه عنه أن يفعله. وقد قيل إنه يجوز قبول هبة المستغرق الذمة بالحرام وأكل طعامه. فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول عطيته ولا أكل طعامه ولا يسوغ لوارثه ميراثه.
والثاني: أن المستغرق الذمة بالحرام يجوز قبول هبته وأكل طعامه ويسوغ لوارثه ميراثه.
والثالث: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول هبته ولا أكل طعامه، ويسوغ لوارثه ميراثه.
وجه القول الأول أن ما عليه من الظلامات والتباعات لما كانت مستغرقة لما بيده من المال كان كمن أحاطت الديون بماله، لا تجوز هبته ولا عطيته ولا معروفه، ولا يسوغ لوارثه ميراثه، لكون ما عليه من التباعات أولى بماله،