بعد؛ فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما (ولاني) الله عز وجل، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه - حتى تأتيه هديته، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته - إن كان بعيرا له رغاء؛ أو بقرة له خوار، أو شاة تيعر» - الحديث، فمبين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بهذا الحديث وغيره، أن ما أعطي الساعي - بسبب سعايته - عليه حرام، فلا يحل له أن يستضيف من يسعى عليه، ولا يأكل له شيئا، وأما إذا نزل بالرجل الموسر الذي من عادته وشأنه أن يضيف كل من نزل به، فأضافه وذبح له، ورأى أنه لم يفعل ذلك به بسبب سعايته، وإنما فعله على عادته مع سواه، فذلك مما يكره له - مخافة أن يكون قد زاد في قراه على عادته بسبب سعايته؛ ولئلا يقتدي به غيره أيضا، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك ممن لا يصح منه ذلك الفعل؛ وكذلك هدية المديان جارية على هذا السبيل، لا يحل لمن عليه دين من بيع أو سلف، أن يهدي لمن له عليه الدين هدية، ولا أن يطعمه طعاما - رجاء أن يؤخره بدينه؛ ولا يحل لمن له عليه الدين أن يقبل ذلك منه - إذا علم ذلك من غرضه، وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك - إذا لم يقصد ذلك، ولا أراده وصحت نيته فيه، كما كان يفعل ابن شهاب؛ ويكره للذي له الدين أن يقبل ذلك منه، وأن يحقق صحة نيته في ذلك - إذا كان ممن يقتدى به، لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز؛ وهذا وجه رد عمر بن الخطاب هدية أبي بن كعب، إذ أسلفه فأهدى له هدية، إذ قد تحقق أن أبي بن كعب لم يهد له لمكان ما أسلفه ليوسع عليه في السلف، إذ ليس ممن يتهم في ذلك، وبالله التوفيق.