كرها في محلها، أجزأت، ولا أعلمه إلا قاله في المكوس، قال (أصبغ: وقد سمعت) ابن وهب: يقول: تجزئه إذا أخذها كرها، وهو رأي إذا حلت ووجبت في المكوس والسعاة.
قال محمد بن رشد: قوله في المدونة، وأحد قوليه ههنا، وقول ابن وهب، وأصبغ، أن ما يأخذ الولاة من الناس من الصدقات، تجزئ عنهم - وإن كانوا لا يعدلون فيها، ويضعونها غير مواضعها، أصح من قوله الآخر - ههنا: إنها لا تجزئ عنهم، إلا أن يضعوها مواضعها؛ لأن دفعها إليهم واجب لما في منعها من الخروج عليهم المؤدي إلى الهرج والفساد، فإذا وجب أن يدفع إليهم، وجب أن يجزئ عنهم، وقد روي أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال:«أما والله لولا أن الله تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣] الآية، ما تركتها عليكم جزية تؤخذون بها من بعدي، ولكن أدوها إليهم، فلكم برها وعليهم إثمها - قالها ثلاث مرات» .
وأما دفع القيمة إليهم في ذلك، فمكروه لوجهين؛ أحدهما: لما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، والثاني: لئلا تكون القيمة أقل مما عليه، فيكون قد بخس المساكين حقوقهم. وأما شراء الرجل صدقته من العامل بعد أن يدفعها إليه، فهو أخف في الكراهية؛ لأن ذلك إنما يكره لوجه واحد، وهو ما في ذلك من معنى الرجوع في الصدقة، وليس بحقيقة الرجوع فيها، إلا إذا اشتراها من المساكين الذين دفعها إليهم؛ مع أن الحديث إنما ورد في صدقة التطوع،