العبادات يفعلها المتعبد في غيره لم يفتقر في ذلك إلى نية، كغسل الميت وغسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب فيه، ومن وضأ غيره فلا نية على الموضِّئ وإنما النية على الموضَّأ. وكذلك لو كانت لرجل زوجة مسلمة فأبت من الاغتسال من الحيضة لجاز له أن يطأها إذا أكرهها على الاغتسال وإن لم يكن لها فيه نية وكانت هي قد خرجت دونه في ذلك ولزمها أن تغتسل غسلا آخر للصلاة بنية؛ إذ لا يجزئها الغسل الذي أكرهت عليه إذا لم يكن لها فيه نية. وقد قيل: إنه إنما لم ير في هذه الرواية أن يجبرها على الاغتسال من أجل أن الغسل لا يجزئ إلا بنية وهي ممن لا تصح منها نية، وأنه إنما قال في المدونة: إنه يجبرها على الاغتسال مراعاة لقول من يقول: إن الغسل يجزئ بغير نية. والتأويل الأول هو الصحيح. وقد ذهب ابن بكير إلى أن الامتناع على مذهب مالك من وطء الحائض إذا طهرت من الدم إلى أن تتطهر بالماء استحبابٌ لتمضي النية خالصة للاغتسال من الحيضة دون الجنابة، بدليل رواية أشهب هذه؛ إذ أجاز له فيها وطء النصرانية إذا طهرت من الدم دون أن تغتسل بالماء، فلم ير من حقه أن يجبرها على الاغتسال، وليس ذلك بِبَيِّن؛ لأن المعنى في الرواية إنما هو ما ذكرناه من أنه أجاز له وطأها قبل أن تغتسل؛ إذ لا يجب الغسل عليها على القول بأن الكفار غير مخاطبين بالشرائع.
والظاهر من مذهب مالك أن وطء المرأة إذا طهرت من الدم قبل أن تغتسل محظور لا مكروه، بدليل قول الله عز وجل:{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}[البقرة: ٢٢٢] ؛ لأن المعنى عنده في ذلك، والله أعلم: ولا تقربوهن حتى يطهرن بالماء، فإذا تطهرن به؛ إذ قد قرئ:" ولا تقربوهن حتى يطَّهَّرن " بتشديد الطاء والهاء، وهي القراءة المختارة؛ لأن المعنى يدل [على] أن الطهر الأول هو الثاني