قال محمد بن رشد: أما ما أكل من حائطه بلحا، أومن زرعه قبل أن يفرك؛ فلا اختلاف في أنه لا يحسبه، لأن الزكاة لم تجب عليه (بعد) فيه؛ إذ لا تجب الزكاة في الزرع حتى يفرك، ولا في الحائط حتى يزهى؛ واختلف فيما أكل من ذلك كله أخضر بعد وجوب الزكاة فيه بالإزهاء في الثمار، أو بالإفراك في الحبوب، على ثلاثة أقوال؛ أحدها: قول مالك: إنه يجب عليه أن يحصي ذلك كله (ويخرج زكاته، والثاني: أنه ليس عليه أن يحصي ذلك) ولا يخرج زكاته، وهو قول الليث بن سعد، ومذهب الشافعي، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام: ١٤١] .
والثالث: أنه يجب عليه ذلك في الحبوب، ولا يجب ذلك عليه في الثمار، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» وهو قول ابن حبيب إن الخراص يتركون لأصحاب الحوائط قدر ما يأكلون أخضر ويعطون، وقد روي مثل ذلك عن مالك؛ وهذا إنما يصيح على القول بأن الزكاة لا تجب في الثمار إلا بالجذاذ، وهو قول محمد بن مسلمة؛ وفائدة الخرص على هذا - إنما هو مخافة أن يكتم منها شيء بعد اليبس، أو بعد الجذاذ، فإن خشي ذلك في الزرع، فقد قال ابن عبد الحكم: يوكل الإمام من يتحفظ بذلك؛ قيل: إنه يخرص إن وجد من يحسن خرصه، وهو أحسن - والله أعلم.
والمغيرة يرى الزكاة تجب في الثمار بالخرص، ففي (حد) وجوب الزكاة في الثمار ثلاثة أقوال؛ أحدها: المشهور في المذهب أنها تجب بالطياب، والثاني: أنها تجب بالجذاذ، وهو قول محمد بن مسلمة، والثالث: أنها تجب بالخرص - وهو قول المغيرة - جعل الخرص فيها كالساعي في المواشي، فإن مات صاحب الثمرة قبل أن يخرص، خرصت على الورثة إن كان في حظ كل واحد منهم ما تجب فيه الزكاة.