للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خل بينه وبين جرابه يذهب به إلى أصحابه» ، ومن ذهب إلى أن المراد من ذلك ما يأكلون لم يجز أكل شحومهم؛ لأن الله حرمها عليهم في التورية على ما أخبر به القرآن، فليست مما يأكلون، واختلفوا فيما حرموه على أنفسهم مما ذبحوه فوجدوه فاسدا هل يحمل محمل الشحوم التي حرمها الله عليهم، أم لا، فشحومهم يجوز أكلها على التأويل الأول باتفاق، ولا يجوز على التأويل الثاني باتفاق، وما ذبحوه مما وجدوه فاسدا فلم يأكلوه فيجوز أكله على التأويل الأول باتفاق وعلى التأويل الثاني باختلاف، فهذا معنى قول مالك في المدونة: والشحم مثله أو أكره؛ لأن من مذهبه مراعاة الخلاف فكلما ضعف الاختلاف في إجازته قويت فيه الكراهية، فعلى هذا الذي ذكرناه لا يحل لنا أكل ما ذبحوه من كل ذي ظفر إذ لم يقصدوا إلى ذكاته من أجل أنهم لا يأكلونه فهو كالميتة، هذا نص قول ابن حبيب في الواضحة، ولا أعرف في هذا نص اختلاف إلا ما وقع لأشهب في المبسوطة، وهو محتمل للتأويل، وذهب ابن لبابة إلى خلاف هذا الأصل كله، فقال: كل ما كان حلا لنا ومن طعامنا فهو حل لهم ومن طعامهم؛ لأن الله أحل لهم طعامنا كما أحل لنا طعامهم، فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] . فجائز لنا أن نأكل من طعامهم كل ما يجوز لنا أكله، من الشحوم والمذبوح والمنحور وغير ذلك، كان مما حرمه الله عليهم في التورية أو حرمه إسرائيل عن نفسه من قبل أن تنزل التورية، أو حرموه هم على أنفسهم؛ لأن ما حل لنا حل لهم، وما حرم علينا حرم عليهم لوجوب الإسلام عليهم، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ٨٥] . وبطل ما هم عليه من البقاء على شرائعهم، قال: وكما لا نستبيح من طعامهم ما يأكلونه إذا كنا نحن لا نأكله، فكذلك نستبيح من طعامهم ما لا يأكلونه إذا كنا نحن نأكله، وقد يحرمون على أنفسهم ما ذبحوه

<<  <  ج: ص:  >  >>