فأما الرجال في الهدنة، فإنهم كانوا يردون إليهم، فكما كان يرد إليهم الرجال في الهدنة، ومهور النساء في الهدنة وغير الهدنة، فكذلك كانت لهم دية مؤمن قتل بين أظهرهم خطأ ممن أسلم، ولم يخرج من عندهم حتى كانت الهدنة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة سأل ابن القاسم مالكا في أولها عن المعنى الذي من أجلها سقطت الدية في المؤمن المقتول خطأ إذا كان بين قومه الكفار، إذ قال الله عز وجل:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢] ولم يذكر في ذلك دية، يريد دية لجماعة المسلمين الذين يرثونه على الحكم في أن دية الخطأ تكون لورثة المقتول فأعلمه أن الآية منسوخة، يريد بقوله عز وجل:{وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال: ٧٥] ، وأن ذلك إنما كان في أول الإسلام حين كانت الهجرة مفترضة وكان الميراث منقطعا بين من هاجر، وبين من آمن ولم يهاجر، لقوله عز وجل:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢] ولما أكمل جوابه عما سأله عنه تكلم على بقية الآية فقال: وأما قوله: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}[النساء: ٩٢] الآية، فإنما ذلك في الهدنة التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين المشركين أنه أصيب مسلم كان بين أظهرهم بها قوله، فبين مذهبه في أن مراد الله تعالى بقوله:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}[النساء: ٩٢] أي: وإن كان المؤمن من قوم بينكم وبينهم ميثاق واحتج بذلك بما قاله من أن ذلك إنما كان في الهدنة التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبين المشركين على ذلك وعلى أن يرد إليهم من جاء من عندهم مسلما، فكانت لهم