دية من قتل منهم من المسلمين، كما كان لهم أن يردوا إليهم بالشرط الذي شرطوه، وهو اعتبار صحيح؛ لأن إعطاءهم دية المسلم المقتول أيسر من رده إليهم، ولعلهم يقتلونه على إسلامه أو يفتنونه عن دينه، وقصده بهذا الاحتجاج الرد على أهل العراق فيما يذهبون إليه من أن مراد الله تعالى بقوله:{وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ}[النساء: ٩٢] أي: وإن كان كافر من قوم بينكم وبينهم ميثاق من الكفار فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة؛ لأنهم يجعلون ذلك حجة لما يذهبون إليه من أن المسلم يقتل بالكافر، فيقولون: قد أوجب الله في قتل الكفار خطأ الدية والكفارة، فلما تساوى المسلم والكافر في القتل خطأ في وجوب الدية والكفارة وجب أن يتساويا في القتل عمدا في وجوب القصاص، وحجة مالك صحيحة، وقوله في تأويل الآية أصح؛ لأنه ظاهر التلاوة، إذ نص في أولها على المؤمن، ثم قال في أخرها: وإن كان، فكان الظاهر من قوله أنه أراد، وإن كان المؤمن المذكور أولا لا أنه ابتدأ كلاما آخر بحكم كافر لم يتقدم له ذكر، فلا يوجب الكفارة في قتل الكافر خطأ، وإنما يستحبها مراعاة للخلاف، وحجته في أن المؤمن لا يقتل بالكافر قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده بكافر» يريد ولا يقتل أيضا ذو عهد إذا عوهد.
ويحمل أهل العراق الحديث على أن فيه تقديما وتأخيرا فيقولون: معنى لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر أي بكافر حربي عندهم ليس بمعاهد، وقولهم بعيد لوجهين: أحدهما؛ أن التقديم والتأخير مجاز، وحمل الحديث على المجاز لا يصح مع إمكان حمله على الحقيقة، والثاني: أن الإخبار بأن المسلم والمعاهد لا يقتلان بالحربي لا فائدة فيه، إذ قد تقرر علم وجوب قتله، وما في ذلك من عظيم الأجر، فكيف يشكل على أحد ارتفاع القصاص في ذلك حتى يحتاج النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلى الإخبار بذلك.
وأما قوله في قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل: ١٢٦] إن المعنى في ذلك، إن حبسوا عنكم مهرا كان لكم قبلهم، ثم عاقبتموهم فحبستم عنهم مهرا كان لهم