قبلكم مثل ما صنعوا {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١١] أي فادفعوا إلى هذا المسلم ما كان أنفق على امرأته، وأن ذلك مثل قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}[الممتحنة: ١١] الآية، فليس ببين، إذ ليس في معاقبتهم بحبس مهرهم عنهم ما يؤدون منهم مهورهم قال عز وجل:{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١٠] ثم قال بعد ذلك ما معناه: فإن سألتم فلم تعطوا فآتوه مما تغنمون.
قال مسروق: وكذلك إن ذهبت إلى غير ذي عهد يعطى زوجها المهر من الغنائم، وذلك كله منسوخ بما نزل في براءة من فسخ العهود التي كانت بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وبين المشركين، وقد روي أن قوله عز وجل:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل: ١٢٦] ، نزل في حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه حين استشهد ومثل به، فأقسم النبي عليه السلام أن يمثل بجماعة من الكفار، فالآية دالة بحملها على عمومها دون أن تقصر على ما روي من سببها على أنه لا يجب أن يعاقب المرء إلا بمثل ما اجترم من القتل أو الجراح وأخذ المال، وأنه لا يجب أن يعاقب الكفار في حبسهم المهور الواجبة عليهم إلا بأن يحبس عنهم المهور الواجبة لهم، وأما أن يجعل حبس المهور عنهم شرطا في دفع مهور أزواج المسلمين كما قال مالك في الرواية، فإنه بعيد، وقوله: فكان الذي بين النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وبينهم ميثاق وهدنة في أشياء اصطلحوا عليها منها أن يرد إليهم من الكفار من جاء إلى النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من الرجال في الهدنة، وكان من حكم الله إن جاءت امرأة منهم ترغب في الإسلام لم يرجعها إليهم يدل على أن حكم الله تعالى الوارد في سورة الممتحنة بأن لا يرجعن إليهم مطابق لما صالحهم النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن يرد إليهم من جاءه من عندهم مسلما من الرجال، وقد اختلف في ذلك فقيل: إن الصلح وقع على أن يرد إليهم من جاءه من عندهم مسلما من الرجال والنساء، ففسخ الله من الشرط في النساء ونسخه، فكان ذلك نسخا للسنة بالقرآن، ومن الدليل على هذا، ما روي من أن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لما تم صلحه مع أهل مكة بالحديبية، وختم الكتاب الذي فيه العهد جاءته سبيعة بنت الحارث مسلمة وجاء زوجها