فقال: يا محمد ردها علي فإن ذلك في شرطنا عليك، وهذه طينة كتابنا لم تجف، فنزلت:{فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}[الممتحنة: ١٠] الآيات، فلم يردها عليهم، وأعطاه مهره، ولا يوجد في شيء من الآثار أن الشرط وقع نصا على أن يرد إليهم الرجال والنساء، ولا على أن يرد عليهم الرجال دون النساء، فيحتمل أن يكون الشرط وقع على أن يرد إليهم من جاء منهم مسلما، وأراد النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بذلك الرجال دون النساء، وأراد به المشركون الرجال والنساء، فلما قدمت سبيعة مسلمة طلبها زوجها واحتج بظاهر ما في الكتاب، فمنع الله عز وجل من رد النساء على ما يوجبه ظاهر اللفظ، وأقر الحكم على ما أراده النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من أن لا يرد إليهم إلا الرجال، إذ لم ينص فيه على رد النساء، وزاد فيه أن يعطوا مهور من قدم من عندهم من النساء، ويسألوا مهور من مضى إليهم من نساء المسلمين، فقال تعالى:{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا}[الممتحنة: ١٠] الآية، فعلى هذا يصح ما روي في هذا المعنى، ويرتفع الخلاف، ويكون معنى قول مالك: إن الصلح وقع على أن يرد إليهم من جاء من عندهم مسلما من الرجال على ما أراده النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ونواه، لا على أن ذلك كان صريحا في الصلح، إذ لو كان صريحا فيه لم يقل زوج سبيعة ما قال، والله أعلم بحقيقة ذلك كيف كان.
وقوله في آخر المسألة: فكما كان يرد إليهم الرجال في الهدنة ومهور النساء في الهدنة وغير الهدنة غلط في الرواية؛ لأن المهور إنما كانت ترد في الهدنة على ما ذكرناه من حكم الله بذلك لا في غير الهدنة، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: قوله: وغير الهدنة ليس بمستقيم؛ لأن رد الصدقات التي أخذ النساء المهاجرات من أزواجهن لم يكن إلا في الهدنة خاصة، بذلك وقعت الهدنة بينهم أن يرد المسلمون صدقات من أتاهم من النساء مسلمات إلى الكفار، ويرد الكفار صدقات من أتاهم من النساء مرتدات إلى المسلمين، وليس قوله بصحيح، إذ لو وقعت الهدنة بينهم على ذلك لما طلب زوج سبيعة ردها بما في كتاب الصلح، وإنما كانت المطالبات