من بيع الغرر الذي لا يجوز على حال، فإنه لا يرى ما اشترى ولا كيف يكون خروج ما اشترط، وقوله قبل ذلك في الذي ابتاع الثوب على أن على البائع خياطته أو قمحا على أن على البائع طحينه أنه إن ضاع، فلا ضمان عليه، ويحط عن المشتري بقدر خياطته والطحين من الثمن إلا أن يكون البائع ممن يعمل تلك الصناعات، فيسلك له سبيل الصناع في الضمان، إنما هو إعلام منه بالحكم في ذلك على مذهب مالك الذي يجيز البيع على هذا الشرط؛ لأنه إنما سئل عن تفسير مذهبه، وذلك بين من فحوى المسألة؛ لأنه أعلم في السؤال بإجازته لذلك، ثم قيل له: أرأيت إن ضاع هذا كله هل يضمن؟ يريد هل يضمن عند مالك على مذهبه في إجازة ذلك، فأجاب على الحكم في ذلك على مذهبه أعني مذهب مالك، فقال له السائل: ولا تراه من جهة البيع والإجارة، قال: لا، يريد ولا تراه أنت من جهة البيع والإجارة، فيجوز عندك، قال: لا.
والحكم في ذلك عنده على مذهبه أن يكون الضمان فيه من البائع على كل حال إن قامت البينة على التلف، وكان ممن لم ينصب نفسه لتلك الصناعة؛ لأنه بيع فاسد تلفت السلعة فيه بيد البائع قبل أن يقبضها المبتاع، فوجب أن تكون مصيبتها منه، ويفسخ البيع، ويكون على البائع على مذهب مالك إذا تلف الثوب عنده وهو صانع قد نصب نفسه للعمل قيمته يوم البيع غير معمول، ويفض الثمن الذي وقع البيع به على الثوب والعمل، فيكون للبائع منه ما ناب الثوب، فإن كان له فضل أخذه، وإن كان عليه أداه، وإن قامت بينة على التلف سقط عنه الضمان، ويفض الثمن أيضا على الثوب والعمل، فلم يكن للبائع إلا ما ناب الثوب، وقال ابن نافع في المدنية إن القيمة تكون فيه يوم ذهب، وقال عيسى عن ابن القاسم فيها يوم البيع: وهو الصحيح، ومذهب مالك الذي ذهب إليه ابن القاسم وأشهب من أن البيع والإجارة في نفس الشيء المبيع يجوز فيما يعرف وجه خروجه وفيما لا يعرف وجه خروجه لإمكان إعادته للعمل إن خرج على غير الصفة حتى يعمل على الصفة، ولا يجوز فيما لا يعرف وجه خروجه، وما لا يمكن إعادته للعمل هو الصحيح، إذ لا فرق في النظر والقياس بين أن تكون الإجارة في الشيء المبيع أو في غيره إذا علم وجه خروج ذلك