وجب أن تستعمل في موضعها، وتكون مخصوصة من عموم نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الدين بالدين؛ لأن من عموم قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الخراج بالضمان» ؛ إذ لا مدخل في ذلك للخراج بالضمان على ما بيناه من أن الصاع لا يرده المبتاع عرضا عما هو له غلة بالضمان، وإنما يرده عما وجب للبائع عليه، مما ليس بعلة له على ما بيناه؛ ولم يجز ابن القاسم أن يأخذ اللبن الذي احتلب منها عوضا عن الصاع من التمر، ورأى ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ قال ابن لبابة: وكذلك لا يجوز على قياس قوله: أن يأخذ الصاع من غير التمر؛ لأنه يدخله أيضا بيع الطعام قبل أن يستوفى، فكأنه ذهب إلى أن قوله خلاف لما حكاه عن مالك، من أن أهل البلدان يعطون الصاع من عيشهم ما كان.
قال: ولو جاز أن يؤخذ عن الصاع غيره من التمر، ما جاز إلا في اللبن؛ لأنهم يجيزون الإقالة في الطعام، فإذا رد الشاة وما احتلب منها من اللبن المصرى، كانت إقالة؛ وقد ذهب إلى هذا سحنون، وقاله ابن وضاح أيضا؛ فزاد: إذا لم يغب عن اللبن، وليس ذلك بصحيح؛ لما بيناه من أن اللبن الذي يجب رده لا يعرف قدره إلا بالتحري، فإنما يجب فيه بالسنة صاع من تمر، فإذا أخذ عنه اللبن كان قد باعه به كما قال ابن القاسم، فكان بيعا له قبل استيفائه، ولا تصح في ذلك الإقالة بوجه؛ لأن اللبن المصرى في الضرع بعضه غلة للمبتاع، فإذا رد على البائع جميعه، كان قد دفع إليه أكثر مما قبض منه من اللبن، فلم تكن إقالة على وجهها؛ وإذا لم تكن إقالة على وجهها دخله ما قال ابن القاسم من بيع الطعام قبل استيفائه.
وقد روى زياد عن مالك أن من اشترى ناقة أو شاة قد صراها البائع، فإنه إذا حلبها ردها ومكيلة ما حلب من اللبن تمرا أو قيمته، وهذا بعيد لا وجه له؛ لأنه مخالف للحديث، ولما ذكرناه من القياس، ولو رضي بعيب تصريتها، ووجد بها عيبا آخر فردها به؛ لوجب على ما ذكرناه من القياس أن يكون عليه قيمة اللبن الذي صراه البائع في الضرع بعد أن يتحرى قدره.
وقد قال أبو إسحاق التونسي: إنه لا شيء عليه في اللبن الذي احتلب إذا ردها بغير عيب التصرية، وذلك غير صحيح، فتأمل ذلك؛ وقد