نعطيهم؟ فقلت لهم: نعم، إذا رأيتم عليهم هيئة ذلك، ثم قال: أين يجد هذا من يعرفه؟ فأرى إذا رأى من هيئته للسفر أن يعطى، وإني لأكره لهؤلاء الذين لا يجدون ما ينفقون أن يخرجوا إلى الحج ويسألون وهم لا يقوون على ذلك إلا بما يسألون، قيل له: أفتكره ذلك لهم؟ قال: قال تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ}[التوبة: ٩١] قيل له: أفهذا الذي أخذ إذا كان من أهل هذه الصفة وأخذ فرجع إلى بلاده أترى أن يبين ذلك للذي دفعه إليه؟ قال: نعم، وليس الذي يحكم بين الناس مثل ما يحكم به بينه وبين غيره، هذا شديد أن يحكم فيما بينه وبين الناس كما كان يحكم بينه وبين الناس فيما بينهم.
قال محمد بن رشد: أجاز مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في هذه الرواية لمن بعث معه مال في غزوة أو حجة ليفرقه على المنقطعين أن يأخذ منه إذا احتاج إليه بالمعروف، والمعروف في ذلك هو ألا يحابي نفسه في مقدار ما يأخذ منه فيأخذ منه أكثر مما يعطي غيره، واستحب له إن وجد من يسلفه أن يستسلف ولا يأخذ منه شيئا إذ لا يدري هل يرضى صاحب المال أن يأخذ هو لنفسه منه شيئا أم لا؟ واستحب إذا رجع أن يعلم بما أخذ منه لمن دفعه إليه لأنه هو أعلم بما أراد من ماله، فإن أعلمه بما أخذ من ماله فلم يمضه له وجب عليه غرمه، وإن فات ولم يمكنه إعلامه لم يكن عليه أن يتمخى منه على مذهبه لأنه أجاز له الأخذ منه ابتداء، ويتخرج في المسألة قول آخر وهو أنه لا يجوز له أن يأخذ لنفسه منه شيئا إلا بإذن صاحب المال، وهذان القولان جاريان على اختلاف أهل الأصول في الآمر