إلا أن يخفي ما له أو يدعي العدم فيكون لمصالحته وجه من النظر. وقد يكون له أمهات أولاد ومدبرون لهم أموال وهو غريم فيصالحه على أن ينتزع من أموالهم ما يصالح به عن نفسه على حط بعض دينه فيكون لذلك أيضا وجه من النظر. فإن صالحه الوكيل على وجه من هذه الوجوه ولم يجعل إليه الصلح لم يلزم الموكل ذلك إلا إن شاء، فإن أبى جاز له ما أخذ واتبع ذمة الغريم بما بقي له من حقه عليه كما قال. وأما إذا صالح الوكيل أحد عن الغريم من ماله فلم يجز الموكل الصلح فله أن يرجع بما دفع من ماله؛ لأنه إنما رضي بدفعه على أن يحط عن الغريم ما وقع الصلح على حطه، فإذا لم يحط عنه كان له الرجوع فيما صالح به من ماله. ولهذا نظائر كثيرة، منها مسألة كتاب المكاتب من المدونة في القوم يعينون المكاتب في كتابته ليفكوا جميعه من الرق فلا يكون فيما أعانوه به وفاء لكتابته أن لهم أن يرجعوا فيما أعانوه به، إلا أن يجعلوا المكاتب من ذلك في حل؛ ومن ذلك مسألة الرجل يقتل الرجلين عمدا فيصالح أولياء أحد القتيلين ويعفو عن دمه ويأبى أولياء القتيل الآخر إلا الاستقادة منه أن له أن يرجع فيما صالح به؛ لأنه إنما صالحهم للنجاة من القتل، فإذا لم يتم له ما بذل عليه ماله كان له الرجوع فيه. روى ذلك يحيى عن ابن القاسم في كتاب الدعوى والصلح وكتاب الديات. وأما إن شرط الذين صالحوا الوكيل عن الغريم من أموالهم أن يرجعوا بما صالحوا به إن لم يجز ذلك الموكل فهو صلح فاسد كما قال؛ لأنه سلف يجر منفعة، فلا يجوز باتفاق، ويفسخ وإن جاء الموكل فأمضاه؛ لأنه انعقد على فساد. وأما إن صالحوا الوكيل وهم يظنون أنه قد فوض إليه الصلح فالصلح جائز باتفاق، فإن جاء الموكل فأنكر أن يكون فوض إليه الصلح فرده ولم يجزه رجعوا في أموالهم. وأما إن صالحوه ولم يشترطوا شيئا وقد علموا أنه لم يفوض إليه أمر الصلح، فظاهر الرواية أن الصلح جائز إلا أن يرده الموكل فيرجعوا بما صالحوا به من أموالهم، وفي جوازه اختلاف لأنه صلح انعقد وللوكيل الخيار في إبطاله، إلا أنه خيار يوجبه الحكم لم ينعقد عليه الصلح، فيجوز ذلك على الاختلاف في فساد الصرف بالخيار الذي يوجبه