فبحسابه لم يصلح. أرأيت أنه لم يتقاضه إلى رأس الشهر، وهو متى شاء أن يخرج خرج، أليس يبطل عمله ويذهب عناؤه، ولعله أن يكون قد أشفى عليه، فإذا ضرب له أجلا فلا خير فيه، وإن لم يضرب له أجلا فإنما هو جعل، وليس بأجر، فمن قبل ذلك جاز؛ لأنه ليس لرب المال أن يمنع العامل العمل فيه، وللعامل أن يخرج متى شاء، والمستأجر ليس للذي استؤجر أن يخرج، وليس له إن انقضى الشهر أن يعمل فيه، فيكون العمل قد ذهب باطلا.
قال محمد بن رشد: إنما لم يجز أن يقول الرجل للرجل: جذ نخلي هذه يوما أو يومين، ومتى شئت أن تخرج خرجت، ولك نصف ما علمت؛ لأن قوله: جذ نخلي هذه يوما أو يومين، ولك نصف ما جذذت إجارة فاسدة؛ لأنه استأجره يوما أو يومين بنصف ما يجذ في ذلك، وهو مجهول. ألا ترى أنه لو أراد أن يبيع ما يجذ يوما أو يومين لم يجز لأنه مجهول، وما لا يجوز بيعه لا يجوز الاستئجار به.
فإذا كانت الإجارة على هذا فاسدة، فلا يصلحها اشتراط الخروج متى شاء بنصف ما جذ؛ لأن ذلك خيار اشترطه لنفسه في الإجارة الفاسدة، والعقد الفاسد لا يصلحه اشتراط الخيار فيه، وهذا التعليل بين من قوله؛ لأنهما سميا يوما، ثم جعل له الخروج متى شاء، فكأن الأجر وقع على اليوم بعينه إلى آخر قوله، ولو قال له: إن جذذت في هذا اليوم، أو في هذين اليومين من نخلي هذه شيئا، فما جذذت منها فلك نصفه؛ لكان ذلك جائزا، والفرق بينهما أن هذا جعل له حكم الجعل، والأول إجارة له حكم الإجارة.
فإن قال قائل: إن هذه الإجارة إذا اشترط فيها الخيار على هذا الوجه عادت جعلا؛ لأنه في الوجهين جميعا لا يلزمه العمل، وإن عمل فله نصف ما عمل.
قيل له: إن استويا في هذا فيفترقان في وجه آخر، وهو أن الإجارة لا تنفسخ بتلف الشيء المستأجر عليه إلا على اختلاف، والجعل ينفسخ بتلف