أترى بذلك بأسا؟ قال: إذا كان مضمونا على المستأجر، فلا بأس بذلك.
قلت: فلو استأجره بثلث ما يرفع فيها أو النصف؟ قال: ذلك جائز.
قال محمد بن رشد: هذه المسائل الثلاث عابها الناس قديما وحديثا، واعترضوها وقالوا: إنها مخالفة للأصول، والأولى أخفها. ووجه الاعتراض فيها أنه قد علم أن الحر إذا اشتد كثر عقد الملح، وإذا خف قل عقده، فكراؤها أشهرا معلومة بالدنانير والدراهم أو العروض ينبغي ألا يجوز، كما لا يجوز شراء ما أطعمت المقثاة أشهرا؛ لأنه إذا اشتد الحر كثر حملها، وإذا كان البرد قل حملها. ووجه تفرقة سحنون بين المسألتين أن نبات المقثاة لا عمل للمشتري فيه، وإنما يكون على قدر ما يكون في تلك المدة من الحر أو البرد، وأما عقد الملح، فإن كان يكثر بشدة الحر، ويقل بقلته، فإن لخدمة المكتري في ذلك تأثيرا، فقد تقل الملاحة بكثرة الخدمة مع قلة الحر، أكثر مما تقل مع كثرة الحر، وقلة الخدمة، وإن تركت خدمتها أصلا، ولم يجلب الماء إلى أحوضها، لم يكن فيها من الملح قليل ولا كثير. وهو فرق بين، والإجازة فيها أظهر من المنع.
أو أما كراؤها لجميع مدة الملح من العام بالدنانير والدراهم والعروض نقدا وإلى أجل، فلا اعتراض في ذلك، ولا إشكال في أن ذلك جائز، وأما كراؤها أشهرا مسماة بكيل من الملح، يكون على المكتري مضمونا، أو بجزء مما يخرج منها، فأجاز سحنون ذلك في هذه الراوية، وروى زياد عن مالك أنه قال: أكره أن يعطي الرجل ملاحته على النصف أو الثلث، أو ببعض ما يخرج منها.
ووجه رواية زياد في كراهيته لكرائها أشهرا معلومة بكيل من الملح