يكون على المكتري مضمونا، هو أن الملح الذي يأخذه المكري من المكتري، هو من الماء الذي دفع إليه، فأشبه ذلك من سلف كتانا في ثوب كتان أو صوفا في ثوب صوف.
ووجه ما ذهب إليه سحنون من إجازة ذلك، وتفرقته بين المسألتين، هو أن جل الكراء إنما وقع على الأحواض؛ إذ لا منفعة له في الماء دونها والماء تبع لها؛ إذ لو اكترى منه الأحواض دون الماء على أن يسوق إليها الماء، لم ينتفع صاحب الماء بمائه؛ إذا لم تكن له أحواض يسيره إليها، فكان ذلك بخلاف الذي أسلم كتانا في ثوب كتان أو صوفا في ثوب صوف؛ لأنه يعطيه الثياب من عين ما دفع إليه من الكتان أو الصوف، وإنما تشبه المسألتان لو باع منه شرب الملاحة دون الأحواض على أن يسوقه المبتاع إلى أحواض نفسه بكيل من الملح يكون عليه مضمونا.
وأما كراؤها بالجزء منها، فوجه الكراهة فيها أنه كراء بثمن مجهول؛ لأن الجزء قد يقل ما يحصل فيه من الملح وقد يكثر، ووجه ما ذهب إليه سحنون من إجازة ذلك، هو أن المعنى في ذلك أنه لم يعتبر لفظ الإجارة، ورآها شركة كالمزارعة، جعل صاحب الملاحة أحواضه وشربه من الماء، وجعل الآخر خدمته في ذلك على أن يكون ما أخرج الله فيها من الملح بينهما بنصفين، أو على الثلث، أو الثلثين، أو ما أشبه ذلك، فوجب أن يجوز؛ لأن الشرب من الماء كالبذر في المزارعة، وهو توجيه فيه ضعف لإفصاحهما بلفظ الإجارة، ولو لم يفصحا بلفظ الإجارة، وأفصحا بلفظ الشركة لوجب أن يجوز، كما لو تزارع الرجلان على أن يجعل أحدهما الأرض، والبذر والآخر العمل وحده؛ لكانت مزارعة جائزة، فكذلك الملاحة.
فتحصيل القول في هاتين المسألتين أنهما إن أفصحا فيهما بلفظ الإجارة لم يجز، وإن أفصحا في مسألة الملاحة بلفظ الشركة، وفي الثانية