لعذر غلب من عدو أو بحر أو فزع اللصوص أو الروم فإن الكراء كله يبطل، ويصير بذلك كمن لم ينتفع ولم يرح، وذلك إذا كان ليس دون مرجعهم إلى حيث ركبوا مستعتب ينزلون فيه من مأمن ومنتفع به فيما خرجوا له، فإن كان كذلك فليس لهم في البدء أن يرجعوهم إلى مخرجهم إذا لم يكن يقدر على التقدم بهم وأنزلوا هناك وأعطوا أصحاب المركب قدر ما انتفعوا به في حمولته وتجارته، وإذا كان الركاب هم الذين مضوا بالمركب حين خافوا على أنفسهم إلى موضعهم الأول وأكرهوهم ألا يطرحوهم دونه، فأرى عليهم عند ذلك الكراء واجبا، وأحب إلي أن يكون كراء الذهاب إلى حيث انتهوا بقدره من الكراء الأول، وكراء الرجعة بالقيمة، وإن كان الأكرياء هم الذين أكرهوا الركاب ولم ينزلوهم إلا إلى مخرجهم الأول فلا كراء لهم أيضا.
قال محمد بن رشد: مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة أن كراء السفن على البلاغ كالجعل الذي لا يجب للمجعول له إلا بتمام العمل، وسواء على مذهبه كان الكراء على قطع الموسطة أو الريف وذلك معلوم من مذهبه فيما روي عنه أن من أكرى سفينة من الإسكندرية إلى الفسطاط فغرقت في بعض الطريق فأخرج نصف القمح فحمل في غيرها أن لصاحب السفينة من كراء ما أخرج من القمح بقدر ما انتفع به ربه في بلوغه إلى الموضع الذي غرقت فيه؛ لأن الكراء من الإسكندرية إلى الفسطاط إنما هو في النيل الشط، فلم ير لصاحب السفينة كراء فيما ذهب من الطعام ورأى له فيما سلم منه بقدر ما انتفع صاحبه ببلوغه إلى حيث بلغ، وذلك على قياس ما قالوا في الجعل على