المتأخرين إلى أنه يمنع من ضرر الأصوات، واستدل بما روى من قول سعيد بن المسيب لبرد: اطرد هذا القارئ عني، فقد آذاني، يعني عمر بن عبد العزيز، وهذا لا دليل فيه، وقد مضى القول عليه في سماع أشهب، من كتاب الصلاة.
ومما يختلف في وجوب المنع منه أن يحدث الرجل في أرضه بناء بقرب أندر جاره، يمنعه به الريح عند الذرو، فقال ابن القاسم وابن نافع: إنه يمنع، واختلف فيه قول سحنون على ما وقع هاهنا، والأصل في هذا الاختلاف ما روي من أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إذا اجتمع ضرران نفى الأصغر الأكبر» ومنع الرجل من البناء في أرضه ضرر به، وإباحة ذلك له إذا حبس به الريح عن أندر جاره ضرر بجاره، فمن رأى باجتهاده ترك الرجل الانتفاع بالبناء في أرضه أحق عليه من ترك صاحب الأندر الانتفاع بأندره منعه من ذلك، ومن رآه أشد عليه لم يمنعه منه، والأظهر ألا يمنع من ذلك؛ لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد قال فيما روي عنه:«كل ذي مال أحق بماله، وكل ذي حق أحق بحقه، وكل ذي ملك أحق بملكه» ، فوجب ألا يمنع أحد من البناء في حقه، والانتفاع بملكه، إلا بيقين أن ذلك يضر بجاره أكثر مما يضر به هو؛ ترك ذلك.
ولا يقين في ذلك، بل الأظهر أن الضرر عليه في ذلك أشد؛ لأن المنفعة بالبنيان في البقعة متصل في جميع الأزمان، والانتفاع بالأندر إنما هو في زمان خاص من الأزمان، ووجه القول الآخر أن صاحب الأندر قد حاز منفعته بالسبق إليها، فليس لأحد أن يبطلها عليه، وقد رأيت لابن دحون أنه قال: لم يختلف في الكماد