قال محمد بن رشد: ما يحدثه الرجل في ملكه مما يضر بغيره؛ ينقسم على ثلاثة أقسام؛ منه ما يمنع باتفاق، ومنه ما لا يمنع باتفاق، ومنه ما يختلف في وجوب الحكم بالمنع منه، فما يمنع باتفاق أن يحدث الرجل الأندر في جوار دار الرجل، أو جنانه فيضر به ما يقع في داره، أو جنانه من تبن أندره عند الذرو، ومن ذلك ضرر الدخان، مثل أن يحدث بقرب داره حماما، أو فرنا.
ومنه ضرر الروائح القبيحة مثل الدباغ يؤذي جاره بما يحدثه عليه من الدباغ، ومنه ما يضر بالجدرات، مثل أن يحدث كنفا إلى جانب حائط جاره، أو أرحية تضر بجدراته وما أشبه ذلك، ومنه ضرر الاطلاع، مثل أن يحدث كوة أو بابا يطلع منه على دار جاره، أو يتخذ عليه قصبة يشرف منها على عياله، وفي هذا اختلاف شاذ، قيل: إنه لا يمنع، ويقال لجاره: استر على نفسك في حقك إن شئت، روي ذلك عن أشهب وابن الماجشون، ومحمد بن مسلمة المخزومي، ومحمد بن صدفة الفدكي، من أصحاب مالك.
ومما لا يمنع باتفاق أن يحدث فرنا على مقربة من فرن آخر أو حماما على مقربة من حمام آخر، فيضر به في قلة عمارته وانتقاص غلته، ومن ذلك أن يبني في داره بناء يمنع به الضوء والشمس والريح عن دار جاره، ومن ذلك ضرر الأصوات كالحداد، والكماد، والنداف؛ حكى ابن حبيب: أنه لا يمنع، وقاله مالك في رواية مطرف عنه، وفي هذين الوجهين اختلاف شاذ. روى ابن أبي دينار، عن ابن نافع أنه يمنع من ضرر منع الضوء والريح والشمس، وذهب بعض الفقهاء