قال القاضي: مذهب مالك وكافة أصحابه: أن اليمين لا يحكم بها للمدعي على المدعى عليه بمجرد الدعوى دون خلطة، على ما جاء عن عمر بن عبد العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - من أنه لم يكن يحلف من ادعى على رجل دعوى، إلا أن تكون بينهما مخالطة وملابسة، وهو قول جماعة من علماء المدينة. روي عن القاسم بن محمد منهم أنه قال: إذا ادعى الرجل الفاجر على الرجل الصالح شيئا يعلم الناس فيه أنه كاذب، ولا يعلم أنه كان بينهما أخذ ولا عطاء لم يستحلف، فلم يحملوا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر» على عمومه، في أن كل من ادعى على أحد دعوى وجبت له عليه اليمين، وخصصوا من ذلك من لم تكن له خلطة، فلم يشبه قوله وغلب على الظن كذبه، كما خصصوا من ذلك يمين الزوج والسيد في دعوى الطلاق والعتق.
وقد قال إسماعيل القاضي: إن معنى قوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «البينة على من ادعى، واليمين على المدعى عليه» أنه لا يقبل قول المدعي فيما يدعيه مع يمينه، وأن المدعى عليه يقبل قوله مع يمينه، وإن لم تقم عليه بينة، لا أنه أراد بذلك العموم في كل من ادعى عليه دعوى أنه يجب عليه اليمين، فلا يجب اليمين على مذهب مالك وكافة أصحابه بمجرد الدعوى دون خلطة إلا في خمسة؛ الغريب في البلد يدعي أنه أودع الرجل الفاضل من أهل البلد وديعة؛ لأن الغريب يعمد إلى من بلغه عنه خير، فيودعه