وإن لم يعرفه قبل، والمسافر يدعي أنه قد أودع أحدا من أهل رفقته؛ إذ قد يفزع في سفره إلى من لم يخالطه، فيستودعه لأمر يخافه من آفات السفر، والرجل يدعي على الصانع الذي قد نصب نفسه للعمل أنه دفع إليه متاعا يصنعه، والرجل الغريب، أو من أهل البلد يدعي على أحد من أهل الأسواق الذين قد نصبوا أنفسهم للبيع والشراء أنه عامله باع منه أو اشترى.
روي ذلك عن سحنون، وهو دليل قوله في هذه الرواية، ولو ادعى أهل الأسواق بعضهم على بعض، لم تكن مخالطة حتى يقع البيع بينهم؛ لأن في ذلك ما يدل على أن دعوى غير أهل الأسواق على أهل الأسواق، خلاف دعوى أهل الأسواق بعضهم على بعض؛ لأن أهل الحوانيت والأسواق إنما نصبوا أنفسهم للبيع والشراء من غير أهل الأسواق، لا من أهل الأسواق، والرجل يذكر في مرضه الذي مات منه أن له دينا على رجل، ويوصي أن يتقاضى منه، فإن لورثته أن يحلفوه إن أنكر دون خلطة؛ إذ لا يعرفون من يشهد لهم بها.
روي ذلك عن مالك، ومثله في سماع عيسى، من كتاب المديان والتفليس، وقال في هذه الرواية: إن المبايعة الواحدة ليست بخلطة توجب اليمين حتى يبايعه مرة ومرة ومرارا، وفي بعض الكتب مرة ومرة ومرَّة، وهو صواب الكلام، وفي رسم الصبرة من سماع يحيى، من كتاب الشهادات ما ظاهره أن المعاملة الواحدة خلطة توجب اليمين، خلاف هذه الرواية. وقيل: إن رواية يحيى تفسير لهذه، فيكون المعنى فيها أنها قد تضاف إلى معاملة قبلها، فيصير بذلك خلطة.
قال محمد بن رشد: ولا أقول: إنها مخالفة لها، ولا مفسرة لها، وإنما أقول: إنها مسألة أخرى؛ لأنه تكلم في هذه الرواية على أنهما تقابضا وتناجزا، وتكلم في سماع يحيى على المبايعة بالدين، والمبايعة الواحدة لا توجب الخلطة إذا كانت بالنقد والتناجز على ما هاهنا، وتوجبها إذا كانت