وحدثني مالك، عن هشام بن حكيم بن حزام مثل ما حدثني به أول، قال كان عمر بن الخطاب إذا سئل الأمر الذي لا ينبغي يقول: أما ما بقيت أنا وهشام فلا يكون ذلك، وقال هشام لبعض أمراء الشام وقد رأى نبطيا قد أقيموا في الشمس لخراجهم، فقال لهم: أشهد لسمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«إن الله ليعذب في الآخرة الذين يعذبون الناس في الدنيا» ، وكان هشام قد تبتل وترك نكاح النساء، وكان في حاله شبيها بالسياحة، لا أهل له ولا مال.
قال محمد بن رشد: ما رأى مالك من أن يلزم الأنباط الحزم صحيح لوجهين؛ أحدهما: ما ذكره من استحباب الذلة والصغار لهم؛ لقوله عز وجل:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ}[التوبة: ٢٩] إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: ٢٩] . والثاني: أن يعرفوا بذلك من المسلمين حتى لا يبدءوا بالسلام؛ لنهي النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عن ذلك، على ما جاء من أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«إنا راكبون غدا إن شاء الله إلى يهود، فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» ، وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:«لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها» ، وقال إبراهيم النخعي: لا بأس إذا كانت لك حاجة إلى النصراني الكحال، فأتيته أن تبدأه بالسلام، قال عبد