الملك: هي رخصة عند الاضطرار، وكذلك ينبغي في سائر أهل الذمة من اليهود والنصارى أن يلزم النصارى منهم الحزم، واليهود علامة يعرفون بها، إذلالا لهم وصغارا، وحذرا للمسلمين من أن يظنوهم من المسلمين فيبدءوهم بالسلام.
روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الجزية بالرصاص، ويظهروا مناطقهم، ويجزوا نواصيهم، ويركبوا على الآكاف عرضا، ولا يدعونهم يشبهون المسلمين في لباسهم، وكراهيته لتكنيتهم صحيح أيضا؛ لأن تكنيتهم إكرام لهم، وترفيع بهم، وذلك خلاف ما يستحب من إذلالهم وإصغارهم لمحادتهم الله ورسوله، قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: ٢٢] .
وترخيصه قبل ذلك في ذلك قريب من كراهيته لذلك؛ لأن الترخيص إنما يكون في المكروه لا في المباح، وكذلك قول ابن القاسم: وأنا أرجو أن يكون خفيفا هذا نحو قول مالك من أجل أن المكروه لا إثم في فعله، ويؤجر تاركه على تركه، ولا حجة لأحد في إباحة ذلك دون كراهة؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لصفوان بن أمية:«انزل أبا وهب» ؛ لأنه إنما قال له ذلك استئلافا له رجاء إسلامه، وكذلك قوله للذي كان يقبل عليه بحديثه من عظماء المشركين؛ إذ دخل عبد الله بن أم مكتوم:«يا أبا فلان، هل ترى بما أقول بأسا؟» لأنه إنما أقبل عليه بحديثه وكناه رجاء إسلامه وإسلام من وراءه بإسلامه، وإنما تكون تكنية الكافر مباحة إذا لم يقصد بذلك ترفيعه، وكانت الكنية كالاسم الذي يعرف به، وقد قال الله في كتابه:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المسد: ١] ، فذكره بكنيته، ولم يكن ذلك ثناء من الله عليه بذلك، ولا ترفيعا له، بل مقته بذلك، وأوعده بما أوعده به، وبالله التوفيق.